د. أحمد يعقوب المجدوبة
يتميّز المجتمع الأردني بوسطيته، ثقافةً وسياسةً وتديناً.
وعندما نتحدث عن «المجتمع» هنا فإننا نقصد عموم الناس، والذين يشكّلون الكتلة «الوسط» ويحتلون المركز فيه، ولا نتحدث عن فئات أو شرائح هامشية تقع خارج نطاق الوسط أو المركز.
والوسط أو المركز يشكّل مساحة كبيرة تحتضن شرائح من أطياف متعددة. والوسطية تعني الاعتدال البعيد عن المغالاة والتطرف، في وجهات النظر والمواقف المختلفة، وحتى في العادات والتقاليد والقيم. ولعلّ وسطية مجتمعنا هذه هي انعكاس طبيعي لموقعه الجغرافي الوسط، ولمناخه المعتدل، ولنظامه السياسي المتزن، ولمصادره الطبيعية المتواضعة.
وهي مستمدة من وسطية الدين الحنيف الذي تجسده الآية الكريمة: «وكذلك جعلناكم أمةً وسطا.» كما تنبثق من الحكمة الشائعة، والتي أصبحت مبدأ حياتياً أساسياً عندنا وتقال على كلّ لسان: «خير الأمور أوسطها». ومن هنا فإن مجتمعنا يرفض التطرف بكل أنواعه، وفي كلا الاتجاهين: اليسار واليمين.
نرى ذلك يتجسد في أسلوب المعيشة، وفي المأكل والملبس والمشرب، وفي تعامل الناس مع بعضهم، وفي تعاملهم مع الآخرين، وفي الآراء والمبادئ والمعتقدات.
مجتمعنا، على سبيل المثال، بمُسلميه ومَسيحيّيه، مجتمع متديّن، وهو متدين باعتدال، لكنه غير متعصب.
وهو في الوقت ذاته مجتمع منفتح، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، لكنه غير منفلت.
فمثلما يشجُب ويرفض التزمت والتعصب والتطرف من ناحية، وهو يفعل ذلك بلا تردد ولا تلكؤ؛ فإنه في الوقت ذاته يشجب ويرفض الانفتاح غير المنضبط والانفلات، والخروج على القيم الوسط والأعراف التي يجمع عليها عموم الناس، بلا تردد ولا تلكؤ.
وسِمةُ مجتمعنا هذه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لدى كل المعنيين بالعمل العام، في القطاعين الحكومي والخاص، من تربويين في المدارس والجامعات، ومن سياسيين وبرلمانيين وحزبيين ووزراء، ومن كتاب وصحفيين وإعلاميين، ومن نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن فنانين وشعراء وروائيين، ومن المعنيين بأعمال المسلسلات التلفزيونية والأفلام، ومن مؤرخين واقتصاديين، ومن رجال الأعمال، وغيرهم من المسؤولين أو العاملين في القطاعات المختلفة ذات الصبغة العامة.
لكل مجتمع ميزته أو صبغته أو خصوصيته التي تُميزه عن غيره، وتشكّل نقطة قوته، ومن الخطأ أن تكون المجتمعات الإنسانية كلها نسخة كربونية عن بعضها، فالتعددية هي سمة تلك المجتمعات، تأسيساً على المبدأ الكوني الذي تجسده الآية الكريمة: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا».
ثلاث نقاط لا بد من التأكيد عليها هنا:
أولاً، مجتمعنا وسطي اعتدالي، ينزع نحو المركز بعيداً عن الأطراف المتطرفة، ويتوجّب علينا المحافظة على سمته هذه لأنها ميزة ونقطة قوة، وليست عيباً أو نقطة ضعف.
ثانياً، الوسطية لا تعني الأحادية، ففيها من التنوع والاختلاف ما يتيح لكل الشرائح الوسطية أن تتعايش وتعيش في تكامل وتناغم وانسجام.
ثالثاً، التطرف يميناً ويساراً، المتمثل في الانغلاق أو الانفتاح المبالغ فيهما، أمر غير صحيّ ومرفوض جملة وتفصيلاً.